نفي الشعر عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته




موضوع هام جدا,ألا وهو بلاغة الرسول صلى الله عليه وسلم, ونفي الشعر عنه,جمعت أفضل ماكتب عن هذا

الموضوع,من مرجع هام وهو كتاب(تاريخ آداب العرب) للأستاذ العلامة والمرحوم مصطفى صادق الرافعي, هذا

الأستاذ من أساطين الأدب العربي بالوطن العربي, وهو مصري أستاذ بالجامعات المصرية بفترة العشرينات

والثلاثينات ووُضع هذا الكتاب عام 1926م وأثنى عليه الزعيم سعد باشا زغلول بمقدمته. الكتاب عبارة عن 3

أجزاء بمجموع حوالي 1000صفحة,والطبعة التي عندي من مراجعة الدكتور درويش الجويدي وطبع المكتبة

العصرية بصيدا في لبنان.والجزء الثاني يبحث روعة بلاغة القرآن الكريم, ومفهوم البلاغة عند كبار البلاغيين,

متحدثاً عن(( دلائل الإعجاز))وغيره من الكتب للجرجاني, ثم ينتقل لبلاغة النبي الكريم, مظهرا ما فيهامن روعة

تلك البلاغة وجمال الأداء فيها وعمق دلالتها. وهنا لا ينسى أن يشدد على بلاغة القرآن الكريم لا تدانيها بلاغة,

حتى بلاغة النبي صلى الله عليه وسلم, وهي التي سمت على سائر بلغاء العرب, الشعراء منهم والخطباء.

أنقل لحضراتكم ماجاء فيه حول هذا الموضوع الهام.

قال الله تعالى-وقوله الحق-(وما علَّمناهُ الشعرَ وما ينبغي لهُ إنْ هو إلا ذكرٌ وقرآنٌ مبينٌ)من سورة يس الآية69

فكان عليه الصلاة والسلام لا يتهدَّى إلى إقامة وزن الشعرإذا هو تمثل بيتا منه بل يكسره, ويتمثل البيت

مكسوراً.!وهذا خلف المأثور عنه صلى الله عليه وسلم, فإنه على كونه أفصح العرب إجماعاً, لم يكن ينشد بيتا

تاماً على وزنه ,إنما كان ينشد الصدر أو العجز فحسبُ,فإن ألقى البيت كاملا لم يصحح وزنه بحال من

الأحوال,وأخرجه عن الشعر فلا يلتأم على لسانه.

أنشد مرة صدر البيت للبيد وهو قوله:

ألا كلُّ شيءٍ ماخلا اللهَ باطلُ... فصحّحهُ ولكنه سكتَ عن عجزه(وكل نعيم لا محالة زائل)

وأنشد البيت السائرَ لطرفة على هذه الصورة:

ستبدي لك الأيامُ ماكنت جاهلاً #### ويأتيك(من لم تُزوّد) بالأخبارِ

وإنما هو( ويأتيك بالأخبار من لم تُزوّدِ)

وأنشد بيت العباس بن مرداس فقال:

أتجعل نهبي نهب العبي-----------دِ بين( الأقرع)وعَيْينه

فقال الناس بين عيينةِ والأقرع.فأعادها عليه الصلاة والسلام (بين الأقرع وعيينة) ولم يستقم له الوزن.

ولم تجر على لسانه مما صح وزنه إلا ضربانِ من الرجز المنهوك والمشطور, أما الأول فكقوله في رواية البراء: إنه

رأى النبي صلى الله عليه وسلم على بغلة بيضاء يوم أحد ويقول:

أنا النبيُّ لاكَذِبْ #### أنا ابنُ عبد المطلبْ

والثاني في رواية جندب إنه صلى الله عليه وسلم دميت أصبعه فقال:

هل أنتِ إلا إصبعٌ دَميتِ ##### وفي سبيل الله ما لقيتِ

وإنما اتفق له ذلك, لأن الرجز في أصله ليس بشعر إنما هو وزن,كأوزان السجع, وهو يتفق للصبيان والضعفاء من

العرب, يتراجزون به في عملهم وفي لعبهم وفي سوقهم, ومثل هؤلاء لا يقال لهم شعراء.

على أن منع الشعر إنما أخذ به صلى الله عليه وسلم منذ نشأته, فقد نشأ منذ نشأته على بغضه, وانصراف

عما يزين الشيطان منه, والنفرة من تعاطيه,ولذا قال صلى الله عليه وسلم(لما نشأت بغضت إليَّ الأوثانُ وبُغِّضَ

إليَّ الشعر. ولم أَهَمَّ بشيءٍ مما كانت الجاهلية تفعله إلا مرتين, فعصمني الله منهما, ثم لم أعدْ)

لا جرم أن ذلك تأديب من الله عز وجل أراد به تحويل فطرته عن الشعر وقوله, حتى لا تنزع به العادة منزعاً.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم(أدبني ربي فأحسن تأديبي)

على أنه فيما كان وراء الشعر وتعاطيه وإقامة وزنه, يحب هذا الشعر ويستنشده, ويثيب عليه, ويمدحه متى كان

في حقه, وكان له شعراء ينافحون عنه ويتجارون مع شعراء القبائل الأحاديث والأفانين, ولم يقمهم هو بل

أقامتهم العادة العربية التي جعلت قولهم أشد على بعض العرب من نضح النبل, ولم يؤمر بالفخر ولم يبعث

للهجاء وقد ترك عادة العرب ونخوة الجاهلية في مثل ذلك.

مع الوفود كانت تأتيه الشعراء مثل الأقرع بن حابس وطيبهم عطارد بن حاجب ينادونه من وراء الحجرات: يا محمد,

اخرج إلينا نفاخرك ونشاعرك, فإن مَدْحَنا زيْنٌ وذمّنا شَينٌ - رماهم بمثل خطيبه ثابت بن قيس بن شماس أو بأحد

شعرائه عبدالله بن رواحه وحسان بن ثابت وكعب بن مالك, فضغَموا الشعراء والخطباء, وأبلغوا في الرد عليهم,

تاييدا من الله في المنافحة ن نبيه, ورداً لكيدهم الذي يكيدون.

هذا الشرح والتوضيح ضروري للجميع, وإن وجدتم به خيراً, فادعوا لي بالأجر من الله وشكرا.