بسم الله الرحمن الرحيم ا
1-
اما بعد... المحاضر عن
مكان الجنة والنار. 2- أسماء الجنة. 3- لم خلق الله الجنة. 4- صفة الجنة وسكانها وخدمها. 5- أسباب
دخول الجنة.
يقول رب العزة سبحانه: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين [آل عمران:133]. دعوة من الله سبحانه لعباده أن يسارعوا إلى كل خير وإلى كل عمل صالح، حتى يفوزوا بمغفرة الله والجنة. وقدّم المغفرة على الجنة - كما قال العلماء - لأن السلامة تطلب قبل الغنيمة وأصحاب الجنة هم المتقون.
فما الجنة؟ ولماذا؟ وما صفة الداخلين إليها؟ وما صفتها؟ وما أسباب دخولها؟
أما الجنة:
فهو الاسم العام المتناول لتلك الدار، دار رب الأرباب وملك الملوك، التي أعدها لعباده المؤمنين من الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وأهل التوحيد من أمة محمد عليه الصلاة والسلام بعد أن يطهرهم رب العزة سبحانه من ذنوبهم.
وسميت الجنة جنة، لأن الداخل إليها تستره بأشجارها وتغطيه.
وينبغي أن تعلم:
أن هاهنا إشكال أورده البعض في قول الله تعالى: وجنة عرضها السماوات والأرض [آل عمران:133]. فإذا كانت الجنة عرضها السماوات والأرض فأين تكون النار. أورد ابن كثير رحمه الله تعالى رواية عن الإمام أحمد: أن هرقل كتب إلى النبي عليه الصلاة والسلام يقول: إنك دعوتني إلى جنة عرضها السماوات والأرض، فأين النار ؟! فقال عليه الصلاة والسلام: ((سبحان الله، فأين الليل إذا جاء النهار؟))([1]). إذا جاء النهار غشى وجه العالم في جانب، ويكون الليل في الجانب الآخر، فكذا الجنة في أعلى عليين، والنار في أسفل سافلين([2]). كذا قال ابن كثير رحمه الله تعالى.
سمى رب العزة الجنة بأسماء باعتبار صفاتها:
أ- دار السلام: قال تعالى: لهم دار السلام عند ربهم [الأنعام:127]. ذلك لأن الداخل إلى الجنة قد سلم من كل آفة ومن كل بلاء ومن كل مكروه، فلا تنكيد ولا تنغيص. لقول النبي : ((ويؤتي بأشقى أهل الدنيا من أهل الجنة، فيغمس غمسة في الجنة، فيقال له: هل رأيت شرا قط؟ قد مر بك شر قط؟ فيقول: لا والله، ما رأيت شرا قط ولا مر بي شر قط))([3]).
ب- جنات عدن: وصدق الله العظيم: جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا [مريم:61]. العرب تقول: عدن الرجل في المكان: أي أقام فيه فلم يرتحل. وكذا الداخل إلى الجنة، لا يرتحل عنها أبدا، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((فيؤتى بالموت يوم القيامة على صورة كبش، فيقال لأهل الجنة والنار: أتدرون ما هذا؟ فيقولون: نعم إنه الموت، فيذبح بين الجنة والنار، ويقال لأهل الجنة: خلود فلا موت، ويقال لأهل النار: خلود فلا موت، فيزداد أهل الجنة فرحا إلى فرحهم، ويزداد أهل النار حزنا إلى حزنهم))([4]).
ج- جنات النعيم: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم [لقمان:8]. ذلك لما في الجنة من اللذائذ والأطايب التي أعدها رب العزة لأوليائه، ظاهرة وباطنة.
وأما لماذا الجنة؟ فلا بد من الجنة:
حتى لا يستوي الصالح بالطالح، ولا المحسن بالمسيء، ولا المؤمن بالكافر، ولا المظلوم بالظالم، وصدق الله العظيم:
أفنجعل المسلمين كالمجرمين مالكم كيف تحكمون [القلم:35-36]. لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون [الحشر:20].
فإذا كانت الموازين قد اختلت في الأرض.
يوما تريك خسيس النار مرتفعا و يـوما تخفض العـانـي
أما ترى البحر تطفو فوقه جيف وتستـقر بأقصى قعره الدرر
وكم على الأرض أشجارا مورقة وليس يرجم إلا من به ثمـر فإن موازين السماء لن تختل أبدا: ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا [الأنبياء:47].
حتى يعوّض رب العزة سبحانه المحسن عن إحسانه، والمجاهد عن جهاده، والصابر عن صبره، والمحتسب وجه الله عز وجل في كل بلية جرت عليه. في الحديث القدسي يقول الله سبحانه: ((يا ملك الموت، قبضت ولد عبدي، قبضت قرة عينه وثمرة فؤاده؟ فيقول: نعم، فيقول رب العزة: وماذا قال عبدي؟ يقول: حمدك واسترجع: (أي قال: الحمد لله إنا لله وإنا إليه راجعون) فيقول رب العزة سبحانه: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسمّوه بيت الحمد))([5]).
ويقول رب العزة سبحانه في الحديث القدسي: ((إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه – أي بعينيه – فصبر، عوضته منهما الجنة))([6]). وهذا أصل في التربية عظيم، بل هو البلسم الشافي لجراحات القلوب.
لأنها أمنية الصالحين، ومهوى أفئدة السالكين، فما دمع العين ولا حرقة القلب ولا انزعاج الجوارح إلى العمل بطاعة الله عز وجل، إلا لنيل تلك الجنان. فعند ذكرها تهون المصائب ويلذ الجهاد بل الموت في سبيل الله.
أخي إن مت نلق أحبابنا فروضات ربي أعدت لنا
وأطيارها رفرفت حولنا فطوبى لنا في ديار الخلود
عندما حضرت بلال الوفاة، قالت زوجته: واحزناه! قال: بل قولي: وافرحتاه! غدا نلق الأحبة، محمدا وصحبه.
وأما صفة الداخلين إلى الجنة:
في سنهم وخلقهم: يقول المصطفى عليه الصلاة والسلام: ((يدخل أهل الجنة على سن ثلاث وثلاثين، على خلق آدم عليه السلام ستون ذراعاً في عرض سبعة أذرع))([7])، ابن القيم رحمه الله تعالى يقول: وهذا السن أبلغ ما يكون العبد فيها من القوة، وبكمال القوة يكون كمال التلذذ والاستمتاع بما أعده رب العزة سبحانه.
في تنزههم عن الفضلات والأذى: يقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((لا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون ولا يتفلون أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك))([8]). سأل رجل من أهل الكتاب رسول الله عليه الصلاة والسلام عن أهل الجنة، فقال عليه الصلاة والسلام: ((ويعطى الرجل في الجنة قوة مائة رجل في المطعم والمشرب والجماع: فقال الرجل: يا محمد، أين تكون الفضلات بعد ذلك؟ فقال عليه الصلاة والسلام: تكون رشحا ويكون الرشح مسكا)). تكون عرقا ويكون هذا العرق مسكا بقدرة الله عز وجل.
في تطهيرهم في ظواهرهم وبواطنهم: قول النبي عليه الصلاة والسلام: ((وعند باب الجنة شجرة، يخرج من أصلها عينان، إذا شربوا من الأولى جرت عليهم نظرة النعيم، وخرج منهم ما في داخلهم من كل بأس وأذى، وإذا اغتسلوا من الثانية لم تشعث أشعارهم أبدا))([9]).
قول النبي عليه الصلاة والسلام: ((أهل الجنة يدخلون الجنة جماعات جماعات لقول رب العزة سبحانه: وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا )) [الزمر:73]
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: كل أهل طاعة يحشرون ويأتون الجنة كجماعة لحالها، وذلك مما يؤنس بعضهم ببعض ويقوى بعضهم بعضا ويفرح بعضهم ببعض. وأهل النار والعياذ بالله يساقون إلى النار جماعات: وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا [الزمر:71]. يقول ابن القيم: وذلك حتى يلعن بعضهم بعضا ويتهم بعضهم بعضا ويسب بعضهم بعضا، وهذا أبلغ في الهتيكة والخزي بأهل النار من أن يذهبوا إلى النار واحدا واحدا.
وباب الجنة لن يفتح لأحد إلا أن يكون أول داخل إليها رسول الله عليه الصلاة والسلام، يقول عليه الصلاة والسلام: ((آتي الجنة فأستفتح أي فأستأذن فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: أنا محمد فيقول: بك أمرت ألا أفتح لأحد قبلك))([10]). وهذا تعظيم لقدر نبينا عليه الصلاة والسلام وتكريم له.
واسف على اطالتي ولكنه موضوع يستحق القراءه